دراسات روايات

قصص

شعر صاحبة الموقع

خاص 

فرنسية فن تشكيلي قصص شعر

مختارات 

Bookmark and Share
       

دراسات//  أدب السجون 

ملح وإبزار عزيز الوديع

اشتهاء المرارة

قراءة عاشقة ،حليمة زين العابدين

عزيز الزديع

حين نأخذ كتابا بين أيدينا، أول ما يثير انتباهنا عنوانه ، فهو إضافة إلى كونه عتبة لولوج عالم النص هو الاختزال المكتف له ، وذلك ما يتداول عند المشتغلين بقراءة الكتب ونقدها وبحث الأدبي فيها ، أما إذا كان القارئ كاتبا فهو يدرك أن مشكلة الكاتب هي العنوان، يسهل عليه تسويد مئات الصفحات وحين تأتي مرحلة اختيار العنوان يتشاكل عليه الأمر: كيف ينتقي عنوانا من بين العديد من العناوين المتواردة على الذهن، يكون حمولة إشارات ودلالات النص؟
ملح وإبزار العنوان الذي اختاره الكاتب عزيز الوديع، يثير في ذهن المتلقي الذي لا يعرف عزيز تساؤلات تغري باكتشاف عوالم النص لما يحمل من أبعاد مباشرة بحكم طبيعة الملح والإبزار وانتمائهما إلى حقل الطعام ، هكذ نجد أن العنوان الذي اختاره عزيز بدهاء الكاتب الذي يعرف كيف يحيك الشباك حول قرائه، قد حقق وظيفته التأثيرية والتحفيزية على القارئ، فهذا الملح والإبزار لأي طعام، وأية أكلة هي الكتاب، تلك التي فتح العنوان شهية التهامه، خاصة وأن صاحبه يقدمه لك مقرونا بابتسامة مشحونة ببراءة طفولة، لازالت ثاوية في أعماقه، وكما لو كان يدعوك لوليمة بسخاء وكرم كبيرين، تسأله ما الملح وما الإبزار؟ تجيبك قبل لسانه ،عينان تشعان بحب يحتوي الكون: "الطعام بلا ملح أو إبزار يؤكل، ولكن لا تجد له لذة أو معنى". غير أن العنوان، وما يحمله من إشارات مباشرة إلى الأكل المملح الشهي، سرعان ما يصطدم في ذهن المتلقي بنقطة حمراء، تذييل الغلاف كتب وسطها "محكيات سجنية" فيتحول العنوان إلى بؤرة توثر، تئن بحمولة من إيحاءات رمزية، تكثفها علامة المنع البارزة باللون الأحمر في قلب الغلاف فوق دائرة بيضاء نقرؤها "قمر مكتمل"، ومن مؤشراته الدالة: (الجمال\ الأمل \ الحياة\ الطفولة...) أو نقرؤها الأرض ودلالتها الرمزية (الولادة \ الخصب\ النماء)، فأي منع هذا الذي تشير له علامة المنع على الغلاف، أهو منع للولادة، للحياة، للجمال، للأمل...؟ وأي نوع من أنواع المنع هذا؟ أهو السجن الذي عاشه عزيز الوديع صبيا؟ وما علاقة الملح والإبزار بهذا المنع؟
من يعرف عزيز الوديع، يعرف أنه الطفل المسبي الذي حُرم صدر أمه، وانه المراهق الذي عانق برودة الزنازين بدل دفء حضن الحبيبة، وأنه الأمل باحتواء الكون الجميل النقي وقد احتوته قذارة المخافر، وانه الرجل تعانقه المآسي والآلام ضاحكا. فأي قدرة لعزيز على تحويل المأساة إلى ملهاة، على تحويل اشتهاء بكاء الواقع إلى ضحك منه ومن أحزاننا.
هو ذا "ملح وإبزار" ضحك من واقع بشع ، آلامه مدى وسكاكين صدئة تحز في حي اللحم. إنه واقع السجن هذا التنين المخيف الذي ابتلع عزيز وقد كان طفلا، ولم يكن له سوى هذا الملح والإبزار يحول به مرارة طعم السجن إلى شيء قابل للابتلاع. قد نتساءل كيف؟ ... الملح والإبزار كتاب ينجلي عن لذة متولدة من الانتصار للقهر بالمزحة والنكتة، يقول الكاتب: "كنا نسخر من السجان، طبعا ذاك الذي يود أن يلحق بنا الأذى"
ونجد أن "الملح والإبزار" يخرج عن كل معنى مباشر إلى معاني موغلة في الانزياح، يطبعها التماهي والتعارض من اجتماع المرارة واللذة في ذات الآن. السجن مرير، هو اغتصاب للحرية هو المنع والقهر والحرمان "أما السجان فلا يمكنه إلا الضرب وإلحاق الأذى بالذات المعروضة للتعذيب" ص120 السخرية منه بالنكتة والضحك يغذي لذة التشفي من السجان الذي يسعى بكل ما أوتي من قسوة وجبروت ليحول الطفل المعتقل المريض، المغمض العينين والمكبل بالقيود إلى كائن محنط يتجمد الدم في عروقه."النكت ملح الحياة، والحياة كالطعام حتى يبدو للإنسان أننا كنا في مطبخ وليس في سجن، ولكن كنا نضحك لنقول للآخرين اللذين يشهدون ويسمعون أننا آدميون."ص.13
"ملح وإبزار" صور خاطفة تختزنها الذاكرة عن شخصيات عاشت بالسجن والمعتقلات، وحين يستحضرها عزيز أثناء الكتابة ، يريدنا ان نتمثل واقعا باكيا، ضاحكا، نضحك حين نسمع كلمة "الضوك" وقد اشتق منها التصغير(طوييك) لقب أحد شخوص السجن، نضحك لسماع كلمة "الميك" المتحولة على يد السجان إلى آلة جهنمية لإلحاق الأذى. نضحك من "الكاشو" التعبير السجني عن الغربة والوحدة ،عن المنع ، المنع من الحياة ، إنه ضحك مبطن بالمرارة ، سرعان ما تنفجر فينا بكاء ، نحن الذين لا نستطيع أن نلبس المأساة بالملهاة ليكون لحياتنا ذاك الملح وذاك الإبرار ، نبكي سعيدة وزروال ورحال، من قال عنهم عزيز: "إنهم رحلوا قبل الأوان". نتوغل في القراءة فتصبح "ملح وإبزار" ضحك حد البكاء وبكاء حد الضحك ، تصبح المتعة والمرارة مقترنتين مع لحظة القراءة. متعة اكتشاف عوالم السجن ، أشيائه ومسمياتها ووظائفها وهي تقدم لنا بلعب لغوي وبراعة في اختيار الكلمة الهادفة مواطن الضحك عند القارئ، يقول عزيز في الصفحة14 :" السجن هو الكاشو، أو الزنزانة أو التسجين أو دار البيضانسي"، متعة ممتزجة بالمرارة لمعرفة أن الكاشو/ الزنزانة / دار البيضانسي، هي مسميات فضاء للتعذيب وهدر الكرامة والحرمان من الحرية يقول عزيز في الصفحة 16: " المحبوس يكون في سكن ضيق في الزنزانة المشتقة من الأزيز، في انتظار الخروج إلى الساحة – بريموناد- استعمال آخر للكلمة الفرنسية promenade _ التي تعني التنزه والتجوال"
وهكذا يسير الكتاب " ملح وإبزار" بالقارئ عبر مسارات متحولة من المتعة إلى المرارة، ومن المرارة إلى المتعة، متعة قراءة صور خاطفة وخفيفة عن شخصيات عاشت والكاتب زمن السجن فأكسبتها قدرتها على تحدي السجن والسجان سرمدية الزمن وثقله الوازن (رحال/ سعيدة/ زروال/ أبراهام/ أحمد/ صلاح/ عبد القادر/ الميلودي....) شخصيات أشار إليها بأسمائها الواقعية أو بالحروف الأولى منها، متعة الوقوف عند قدرة الكاتب على تحويل المرارة إلى محكي تهكمي من هذه الشخصيات ذاته وهي تنتصر على مغتصبيها بالسخرية وبالنكتة. فإذا كان الضحك عملية قد تبدو بريئة، فإنها في حقيقتها، تخفي وجها مؤلما خاصة إذا كان الخطاب التهكمي يتمحور حول الأنا الفردية أو الجماعية وهي في ملح وإبزار صور ساخرة عن الذات السجينة، عن السجان، عن أكبر المآسي في حياة شعبنا، وقد كتبها عزيز بلغة النكتة والفكاهة ، تكشف عن طبيعة القوى المهيمنة بالسخرية منها وإثارة الضحك من عدوانيتها.

حليمة زين العابدين / المغرب

لائحة محور دراسات

 1. أدب السجون

مناديل وقضبان
ثريا السقاط
 
الساحة الشرفية
عبد القادر الشاوي
حديث العتمة
فاطنة البيه
ملح وإبزار
عزيز الوديع
 
الاتصال

 

Conception _ Création _ Desisgn: Halima Zine El Abidine